الأحد، 29 مايو 2011

الفتوات !

-هل نتوشح ونلبس منطق ( الفتوة ) ؟


أُثِيرَ هذا التساؤل في ذهني أثناءَ أحداثِ مصرِ وبعدها مباشرةً, وعزّزَ رسوخ هذا السؤال مواقفنا تجاه الثورة ( ملحوظة : انقسمت الآراء؛ والحقُّ كانَ بيّنًا إلاّ عن الغافل ). وتأكد جواب ذلك السؤال مع ظهور أحداث الأبطال في ليبيا وسوريا ( أحسنت يا أيمن .. افرح بالحقيقةِ المرة ) .. فنحن في مجتمعات وأنظمةٍ تحتكم لمنطق الفتوة ( اقرأ نجيب محفوظ لتشعر ما أشعر به ) .. فـ الأمن ولقمةُ العيش هما المفتاح لكل التجاوزات اللا إنسانية, والتحكّمات في مصائر البشر نتيجةُ هذه العبادة والتقديس للشخوص التي وفّرت ذلك. فبينما يحاسب أخي الصغير ( ثلاث سنواتِ ونصف .. ) عن مسؤولياته تجاه نفسه ( ألا يوسخ ملابسه, أو أن يمسك الملعقة " زي الناس  ! " ) ويعاقب على ذلك, تجدنا نلتمس كل الأعذار للمقصرين تجاه مسؤولياتهم تجاه مصائر البشر, نلتمس الأعذار لتقصيرهم في اختيارهم لبطانتهم, وأحيانًا نفترض وجود الحكمةَ الأولى والأزلية وراء قراراتهم, ندّعي معرفتهم للغيبيات التي لا نعرفها, ونرضى بسلوكهم لدهاليز الرذيلة السياسية وحجبهم للشفافية عنّا. سحقًا للعدالة التي نعرفها ! . وبعد ذلك, نصمت عن الأرواح المُزْهَقة التي تلطخت بها أيدي هؤولاء الرعاة ( على حد تعريفنا إياهم: فتارةً هم والدينا " وخسئت مكاناتهم عن ذلك " .. وأحيانًا هم سيف الله في الأرض, وأحيانًا نؤلّههم ونقرّر في أنفسنا علْمَهم بما غُيَّب عنا كأنهم الغيبُ ذاته .. وسبحان الله عنما نَصِف )  المتملّصين من إنسانيتهم, من مسؤوليتهم التي طلبوها بأنفسهم, أو من بيعات شعبهم ! .. نصمت ! تبًّا للإنسانية التي عرفناها !


-من يصنع الفتوّة ؟


وبعد الكثير من البكائيات واللّطم .. والتوشح بالسواد والصِّوانات الأربعينية داخل نفسي .. استفزني داخلي وقال : هم موجودون فمن أوجدهم ؟ ( ما ح أغشش الجواب : نحنا )
من هو الذي أصّلَ للصمت طولَ حياته الحضارية ؟ قدّسَ الأفراد بمجرد توفيرهم لفتات الكرامة الإنسانية ؟ من سببُ تطاول الإستبداد على كلياتنا الأولى ؟ من الذي وزّع المفاتيح للأقوى ووصم نفسه بالرّعيةِ التي ترعى خلف ظالمها ( العوام؛ الرعاع : معناها مو كويس )  ؟ من الذي لم يرَ إلاّ حياته هو فقط .. ونسي ما قد يقاسيه أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاد أحفادهم .. وعاش للأنانية ؟

المفروض : أين يجلس الفتوّة ؟


( لن أقول على كراسي الخازوق : من آلات التعذيب المشهور, واستخدمت في عمليات الإعدام قديمًا .. ومعلوماتي عن استخدامها حديثًا معدومة .. ولكنني أرجح عدم اندثارها؛ يدخل الخازوق من خلف المسكينِ المُعْدَم ليخترق أحشاءه ويخرج من رأسه, ويحرص الجلادُ على حياةِ الشخص المُخَوْزَق حتى يخرج الخازوق من رأسه .. كي يعلم خطأه وجريرةَ ما قترف )


لا وجود للفتونةِ والإستبداد .. الشهامة والمطالبةُ بالحقوق هما المتربعانِ أصلاً مكان الشطارةِ والعجرفةِ والفتونة.


-عن طبيعة الشهامة .. والطلب أشير :

يصعب تجسيد صفات الحقّ والحقيقة في أشخاص, فذوات هذه الأوصاف تتجلى في الجموع الغفيرة .. والقرار الحر الصادق. تتجلى في الضمائر الفطنة اليقظة النقية. تتجلى في الفطرة السليمة.


- لو لخصت هذا المقال في سطور :


أرى أنّه من الجرم الأخلاقي ومن كبرى الإشكاليات أن نتقبلّ وجودَ أنظمةٍ منحلّةٍ لمجرد توفيرها لبعض الحقوق المسلوبة منةً وتفضلاً منها؛ وأن ندافع عن وجودها. ومن المشينِ جدًّا أن نلتمس لها العذرَ مهما كان. فالصواب لا يُنْصبُ بالخطأ ولا يُبْنَى بالظلم .. والوسائل لا تخالف الغايات.