الأربعاء، 18 يوليو 2012

( خليك واقعي ) Vs. ( المفروض أن يكون "كذا" )

في حواراتي مع أصدقائي, كثيرًا ما أقع في شراك الجدل بين ثنائية المثالية/ والواقعية .. في الحديث عن الواقع والنهضة .. المفروض والملزم. كانت المشكلة ببساطة, أن أحدهم ينظر للصورة من منظور الأشخاص " المتفائلين " والآخر ينظر للقضية من منظورٍ مصبوغٍ بالتشاؤم. وكلٌّ يدّعي وصلاً بـ ليلى .. وليلى في العراق مريضةٌ :)

هل المشكلة بين النظرِ المجرّد والواقع ؟

( هذا اتهامٌ مركّب ) أهمّ الإتهامات الموجهة للمتهمين بأنهم مثاليون هي أنهم يذهبون لبرجٍ عاجيّ ليقترضوا أفكارهم ثمّ يأتوننا ليصدعوا رؤوسنا بأفكارٍ أشبه بحكايات الجنيات أو حكايات (الكشتات) .
أي أن مشكلتهم أنهم ينظرون للكون بشكلٍ ذهني مجرّد, يحاولون به قراءة الدنيا عن طريق قراءةٍ تقويمية ( بمعنى؛ ما المفروضُ أن يكون ). بينما ينفى الواقعيونَ التهمةَ عن أنفسهم بطريقةٍ آلية ( لمَ ذلكَ مفروض, اللازم عليكَ أن تعيشَ في هذه الحياة كما هي ), والسبب أن الفريقين سقطا في شراك ثنائية النظر المجرد/ والواقع.

بينما نجد ان المشكلة هي مشكلةٌ بين منظومتين عقليتين, أو بين منظورين مختلفين في قراءة الواقع.
فمن يدّعي منهم إحاطته بالوقع كلّه ومعرفت كنهه من حيث هو هو ( الواقع ككل )؛ إذ يطرح هذا الوضع أسئلةً عدة, مثل :
( هل الواقع هو كما نراه ؟ ) , ( هل الواقع هو ما يراه جمع الناس ؟ ) , ( هل الواقع هو ما خبرتهُ وحدي أم ما عُرِفَ للمجتمع ؟ ), ( هل هناك حقيقةٌ واقعية تكمن خلفَ الواقع أم أنه صادقٌ دونَ أن تسألْه يُبِين ؟ ).
كلُّ سؤالٍ من هذه الأسئلة يشرّع أبواب أسئلةٍ موصدة, ويفتحُ مغالقَ أخرى للنظر.

أي أن الناظر في حالِ الواقع لا يمكن أن يدعيَ أن نظرته تنطلق من معنى الحالِ كما هو ( الواقع في الحقيقة ) , بل أن قراءته للواقع هي التي أرشدته لفكرته في " الواقعية ". فإن سلّم أحدٌ بعدَم معرفته بالواقع كما هو فإنه بذلك يلغي منطقيةَ المقولةَ القائلة: ( خلينا نكون واقعيين ).

ما الذي يحصل في العادة ؟

إن النظرةَ للحياة من الصعّب أن تكون نظرةً مجرّدةً لا يُلْزِمُ عنها العلمُ عملاً, بل أن الحياةَ هي الحياة, هي " الواقع " الذي نعيشُ فيه ويعيش فينا وبنا, وهي نحنُ في حالةِ الفعلِ والسكون, وهي المحدودة بين الزمان والمكان. ولذلك فإن مجموعةً كبيرةً من تلكَ النقاشات لا تدّعي الموضوعية المطلقة, وفي الغالب يكونُ الرأيُ المنتصرُ فيها ظنّي الصّحة, والسبب هو الآتي :

أن التحركَ الحاصلَ نحو حياةٍ أفضلَ يلزم الباحث عن نظرةٍ واقعيةٍ للحياة أن يستقري الحياةَ ( كما هي ) لا (كما أراها أو كما خبرتها أو كما قيل لي أو علمت .. قرأت ... إلخ ) وهذا صعبٌ جدًا جدًا :)
فلذلك ينحو الرأيان بطريقةٍ متعمدة أو غيرِ متعمدة إلى تكوينِ تصورٍ مسبقٍ عن الواقع, يساندونه بتصوراتٍ مشابهة تعتمد على تفاعلاتنا مع الحياة, وبعضهم يختار تفاعلاتٍ محددة ( مثل : الكتب, التجارب الإيجابية, النصوص المتفائلة .. أو الخبرة, التجارب السلبية, التفاعل مع الروتين اليومي, النصوص المتشائمة ... إلخ ), وبذلك يكونُ إدعاءُ الصحة المطلقةِ باطل. أي أن النظر للأمور لا يعدو - أحيانًا - أن يكونَ اصطراعًا بين وجهتي نظر, وليس ضرورتين حياتيتين أو عقليتين.

( هل تقدّمُ توصيفًا للقضية أم تبحث عن حل ؟ )

لا أدعي إيجادَ الحل, ولا أدعي الموضوعية, وما أقدمه وإن اجتهدت أن يكون وصفًا, فلا أدعيه توصيفًا والسبب أنني أميل بالنظر هنا وهناك .. وأثناء كتابتي للمقال كنتُ متفائلاً.

( النهاية )

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

هل أنا مركز الكون ؟

تنسّم الرائحةَ المُشكِلةْ, وقال :
- هل أنا مركزُ الكون ؟
أجابه صاحبه : عفوًا ؟ أنت لستَ مركزًا لمجموعتك الشمسية, ماذا تخرّف ؟
- لا فعلاً, هل أنا مركزُ الكونُ .. أَ يقاس الإنسانُ بالشمس؟ ما الشمس ؟! مجرّد جرمٍ عظيمٍ محترق ؟
صاحبه : وأنت لُعنَةٌ وضيعة, ما أنت ؟! تافهٌ حقيرٌ, كطفيليٍ في جلد وحيد قرن على ظهر هذه المحدودبة. الشمس يا جاهل تَشغَل 1.9891  × 1030 كيلو جرام من الفراغ, و تزنُ 2.191874 × 1027 طنًا  , وأيضًا أشياءَ كثيرةٌ فيها تفوقك .. أنت لا تعرف حتى ما هي مساحتها السطحية ولا ما طول قطرها ؟
- وأنت تعرف ؟
صاحبه : نعم ( قالها وهو يتصفح ويكيبيديا ).
- يا رجل .. هل أنا مركز الكون ؟ هل أنا كائنٌ فيزيائيٌ بحت حتى تقرنني بالشمس, هذه المقهورةُ القدرة, أنا أفعل, أعقِل, أقرر, ما أنا إن كنت كائنًا فيزيائيًا, تتلاقفني الأيدي في المختبر دونَ حولٍ مني ولا قوة ؟
صاحبه : لكن الأقدار, تلعب بك ( كما الريشة .. يا عيني ) ..
- نعم تتلاعب بيَ الأقدار لكن ليس كالريشة .. لأني لستُ ريشةً ولا الريشةُ أنا. مرةً أخرى, هل أنا مركز الكون ؟
صاحبه : وكيفَ تكونُ للكون مركزًا إن لم أعاملكَ على أساس ماديتك ؟!
- هل الكونُ كائنُ بلا حياة ؟
صاحبه : صديقي ستغالط نفسك, قبل جملتين كانَ الكون مصمتًا مقهورًا, وأنت المفعم بالحياة ..
- لحظة .. تخيل هكذا .. أن الكون هو أنت ؟
صاحبه : لا أفهمك .. تقصدُ أن الكون نتاج أفكاري .. وكل العوالم التي نشترك النظرَ فيها هي من توليد دماغي الهلامي ؟! .. قبلَ أن تتكلم .. هذه مغالطة أيضًا .. إنْ أنا ادعيت توليدَ أفكاري للكون .. فمن ولّدني .. إن ولّدت نفسي بنفسي .. فبأي أساسٍ أنتجت نفسي, أقصد إن تتبعنا الأشياء التي تولدت مني سنعود إلى حقيقةِ أنني من ولّد العالم بذهني ( والكون هو تخيلاتي ) , وأنني أنا كما أرى نفسي وكما أفكر بداخلي متولدٌ عن ذهني الذي هو جزءٌ مني, الذي يحتاج أن يكونَ هو وحده حقيقةً موجودةً مادية. أي أنني ( يا فرحتَك ! ) عقل هكذا .. يعمل .. هكذا .. عقل في برطمان إن شئت .. فسيوجد حقيقتان في العالم .. أنا (= أَيْ عقلي ) .. والبرطمان !!!
- اسكت ..
( قط يعرجُ في الشارع, كسيرَ الحالِ .. يرثي حاله .. يحاول قطعَ الشارع. القطُّ يُدْهَس, ولا يفطنُ لذلك أحد )
- صديقي .. هل أنا مركزُ الكون ؟
صاحبه : أنت الكون .. لا تهلك نفسك .. وتجعلُ يومي ضنكًا .
- ألا تشعرُ أن العالم كّله يدورُ حولك ؟ ابدأ بحياتكَ اليوميةَ مثلاً .. أنت تستيقظ, لتصرخ أمك عليكَ كل صباح لأنك أنت الذي تغضبها دائمًا, لتذهب لجامعتك التي تدرسُ فيها أنت, وتختبر الإختبار الذي تنجح أو ترسب فيه أنت, وتقود سيارتك أنت ليقعَ لك ( أنتَ) الحادث ..
صاحبه : خلاص !!
- فكر معي بجدية ..
صاحبه : كنتُ أفعل
- ألا تدور الدنيا كلها حولكَ أنت ؟ هل أنتَ مركز العالم ؟!
صاحبه : أشعر أنها تدورُ حولي .. ما يتعلق بي بالطبع هو ما يدور حولي .. أما أن يكون العالم كله في مدارٍ حولي فهذا لا أعتقده ؟
- لكن هنا الكون يدور حولك .. كونُك أنت, وأيضًا كوني أنا يدور حولي  .. إذًا كلنا مركزُ كونه
صاحبه : لكن ليس مركزَ الكون
- عن أي كونٍ نتكلم إن كان كوني هو نفسه الكون الذي أعيشُ فيه, وكونك هو نفسه الذي تعيش فيه .. إذا أنت مركز الكون
صاحبه : يا بابا .. يا حبيبي .. إما أن تكون مركز الكون أنت أو أن أكون أنا, فإما أن يكون الكون كونٌ واحد .. ونحنا نقتطع مجازًا أجزاءًا منه نكون نحن مركزها, أو أنَّ كوننا بلا مركز وكلّنا بذلك يستطيع أن يدعي أنه مركزه.
- أمهلني
صاحبه : أمهلتك الدهرَ كلّه ( وبدأ يطقطق على البلاك بيري ).
( أمٌّ تصنع القهوة في ليلةِ شتاءٍ بارد, تنتظر ابنها الغائب .. ولم يأتِ أحد )
- اسمع .. أكيدٌ أن الكون ليس العالم المادي فقط .. لا بدَّ أني أعيش عالمين .. أنا الجِرم الفزيائي .. وأنا الباعث المحرّك للجرم .. أعيش في عالمين مختلفين أحدهما لست مركزًا به .. لكن من هو الكون ,,
صاحبه : صدّعتني .. ولا يهمني .. اذهب إلى الجحيم أو بيت الحكمة .. الكلام معك ضائع ..
- أنت إنسان غير موضوعي ..
صاحبه : ولا أنت .. لا يوجد أحدٌ موضوعي هنا .. حتى أيمن الذي يكتب القصة
- من أيمن الذي يكتب القصة ؟!
صاحبه : لا أدري لم أكن أفكر إلا في سبكَ لحظتها, من أيمن هذا ؟
- لا أدري .. يبدو أنه مركز الكون حاليًا ,, إما أن يكون للكون مركزٌ أو لا يكون .. لكن إن افترضنا أكوانًا مختلفة لكل إنسان فسيكون هناك ( إنسان مركزٌ ) لكونه بالضرورة .. ولكنه كما تقول لن يعدو كونه لُعنَة حقيرة تافهة في وسط منداح فسيح .. أو ! أو .. أو .. أو ..
صاحبه : ما بك ؟
- لا أدري .. من يتدخل ؟1 ( صمت. ينظر ويجول نظره في المقهى كالمجنون ) .. ما ذا لو كان كل ذلك مزحةً سخيفة ؟ أقصد .. أننا في مسرحية كبرى ؟ إما أن نكون مثّلنا على بعضنا وأحدنا مخدوع, أو أن نكون مغفلين والعالم .. يديره عالمٌ آخر !!
صاحبه : ومن هذا العالم ؟
- أيمن !! صاحبك هذا !
صاحبه : لا أعرفه ,,
- صديقي .. الكاتب .. أيمن .. ليسَ لديه شيءٌ ليقوله, ولكن أراد أن يخبرني أن شخصًا ما في مكان ما في زمانٍ ما قد فقدَ إحدى غاليتيه .. ويعيش بأمانٍ وسعادة كأنه لم يفقدهما, وأن طفلاً هناك في مكان آخر .. تنتهك براءته, وأن حلمًا في عقل شابٍ وشابة لا يفتئ أن يُقلِقَ روحهما.
صاحبه : لا أدري يا صاحبي .. لكن هذا المقهى مسكون, أو أننا قلبنا نفسيات بعد سؤالك الخايس ..!
- اسألني نفسَ السؤال, وستعلم.
صاحبه : ماذا ؟
- اسأل !
صاحبه : صديقي العزيز ... هـل أنـا مـركز الـكون ؟!
( وتدفقت فجأة نفحات المعرفة لأن المسرحيةَ انتهت ).