السبت، 18 ديسمبر 2010

ريشة

حكايةُ شخصٍ أراد, فما فكر ولا استخار, فكان له ما رام وراد. بقي يتقدم في الهواء, كـ خفة الريشة, خطواته كالرقص النقري .. جميلة, لكنه بثقلٍ عابر تتنسمه ليومك. هي حكايةٌ لشخص أراد, فـ استقر له الأمر, وما فكر به الأمر, فلا رام بعدها ولا أراد.

العاطفة

جنوحٌ إلى العزلة. تأخذك الأحلام بعيدًا؛ أبعدَ من القمر, وتتركك قبل مرادك بـ شعرات, ولـ ثوانٍ تتذوق طعم الوصول .. لمن جربه : له طعمٌ لا يوصف. ولكن للحظاتٍ فقط تدوم حلات الانتشاء حتى يتخللك الواقع فيهوي بك كل تلك المسافة, كمصارعٍ في ( رسل مينيا ) كـ الصفعة التي يتلقاها ( امينيم ) في ( Lose Yourself ) , كـ نهاية قصتي ( الحلم ) .. كـ التويست في كتابة السيناريو, أنت تهوي والأحداث تتقلب وتنتقل بك من عقدةٍ إلى عقدة .. حتى ترى نقطة البداية أبعد من الحلم .. والحلم ليس إلا مجرد حلم.
في هذه الحالة, الموسيقى .. ترسمك, تكوّن ملامحك. الشوق يبقيك؛ يعطيك الرمق الأخير لكي تبدأ مرةً أخرى. اسمك أحينًا, يحييك إذ أن ( الحي يحيك والميت يزيدك غبن ). العواطف تبقيك هنا أو هناك .. لكنها تبقيك.

بين العواطف .. تتردد الأفكار .. ليست أفكارًا سهلة كالتي يفرضها العقل .. العقل بعظمته لا يفهم العواطف إلى -إن شئنا التعبير- كـ روبوت إن سألته عن طعم ( الملوخية ) التي تصنعها والدتك .. أو صحن التحلية الذي يتبعه. تخيله ( الروبوت ) معي وهو يدمر كل ذلك الاحتفاء ( بتحفة الطعام الفنية ) , تخيله وقد قتل الوصفة وكشفها, خنق نفس الطبخ, وبكل بجاحة ذكر لك نسبة الملح .. والبهارات وكم أخذت ساعات الانضاج .. تخيله يقيّم تلك التحفة الفنية, العقل يفعل ذلك مع العواطف في الغالب.

الكشف عن العاطفة هي أصعب فكرة لقصة, أصعب عنوان لقصيدة, أصعب مسألة للحل, أصعب اسم ليحمل. الفكرة ليست بقاء العاطفة في مكانٍ واحد بل بتنقلها من مكانٍ إلى مكان .. كالإلكترونات .. تتنقل بشروطٍ لا سبهللةَ فيها, كالعربي بين الحدود .. أو الأصح .. كالفلسطيني في الحدود. جرأة العاطفة قد تأخذها من المحدود إلى اللا حدود؛ تبقيك بين هذا وذاك .. تتحرك حرةً بلا أية تأشيرات أو تصاريح عبور, فـ تحيّر كلّك وجلّك .. وتبقيك مشدوهًا .. لكنها لحسن الحظ تبقيك.

هذا الأسبوع .. ذق طعم الدموع .. هكذا ! ولـ ثوانٍ. <<<< ركزوا على ثواني لحد يفلّها هي نص دقيقة بالكثير . العقل يتحدث

الأحد، 5 ديسمبر 2010

مندهش !

اندهش ! أصبح أحد طلاب جامعة مرموقة. عند أول خطوةٍ؛ أول ملامسةٍ لقدمه لـ أرض الجامعة كان مشدوهًا من الهيبة التي احاطته وأبقته هكذا زمنًا لم يحسبه. بدأ صاحبنا دراسته. كان أول يومٍ مدهشٌ مليءٌ بكل شي جديد: المدرسون؛ ما هذه العظمة ؟! الطلاب؛ رائعون بشكل لا يصور ! والفصل أكثرهم ادهاشًا. تحرك صاحبنا ماضيًا يواجه كل يومٍ شيئًا يربطه بدهشته المزمنة.
ففي أول يوم امتحان له ذهل بشكلٍ غامض كـ الطقوس الجدية المذهلة التي لم يعرف معناها, وزاد دهشته جديةُ الأسئلة وخبثها وتغلغلها كـ شبهات الذهن, وذكريات النفس. خروجه صراحةً من ذاك الجحيم كان أمرًا مدهشًا لا يدعو إلى التصديق. الكثيرُ انهاروا بعد خامس سؤال, وهو استمر لسبب واحد؛ كان مندهشًا !
استلم النتائج. حاجباه مرفوعان وعينيه تكادان تخرجان من محجريهما. تزداد ارتفاعًا وخروجًا تعبيرًا عن الدهشة المكتسحة التي انتشلته من دهشة إلى دهشة أخرى تاركةً إياه مندهشًا وحيدًا إثر وصول درجاته المخزية المذهلة. كان صاحبنا في لحظة وصولٍ لذروة الدهشة عند تلقي أول خبر رسوبٍ له في حياته. تحركت الخلفيات كأفلام السيتينات والخمسينات عابرةً بتاريخ هيتشوهك في اختراع تلك اللقطة, وبظهور عدسة الزوم لتضعه أمام تكوينٍ مختلف مدهشٍ آخر, وموسيقى تقودها آلة الكمان لـ تتبعه. تلاحق ذكرياته. ما السبب الغامض الذي سيدهشه عند معرفته ؟ ما السبب الذي تسبب في هذه البلوى ؟ ... فكرَ قليلاً, يبدو أنه كان مندهشًا طول السنة ولم يجد وقتًا للمذاكرة.
أعاد صاحبنا سنته والمواد بشكل مدهش لم تتغير.
وظل مندهشًا للسنوات السبع التي قضاها بالجامعة.
لماذا كل هذا الإندهاش من الرقم ( 7 ) ؟
وهو على فكرةٍ : رقمٌ فردي من الأرقام الطبيعية, والكلية, والصحيحة, والنسبية, الحقيقية (!) .. يسبقه الرقم ( 6) ويلحقه الرقم ( 8 ) مما يترك بينه وبين الرقمين فرق عددٍ واحد. وهو بالإضافة إلى ذلك مختلفٌ عن الرقم (4) حيث أنه يزيد عنه ثلاثة أرقامٍ, ويتفارق معه أيضًا بحركته تجاه الأعداد الموجبة في المحور السيني ثلاثة أرقامٍ أخرى .. كل هذه الحقائق زادت دهشته !!!

استلم صاحبنا شهادته الجامعية, كان شعوره بالفرح غير مستقرٍ أو مؤكدٍ حتى. لا يستطيع المرء الجزم بشعورٍ ما إلا إن كان شعوره بذاك الشعورِ شعورٌ صافٍ خالٍ من الدهشة أو الإنتشاء من الحشيش ؛ وهو بطبيعة الحال سينتشي دهشةً إن علم أن هناك شيءٌ يستخدم للعيش مندهشًا طوال عمرك.
الجامعة : بجميع منسوبيها, وطلابها, ودكاترتها .. كانو مندهشين فعلاً ! .. صدقًا أمرٌ مدهش.
واصل صاحبنا اندهاشه بجلوسه في البيت, الدهشة (صمّغت ) مقعده, ززرعت قطب مغناطيسٍ فيها لتجذبها للركون على أية أريكة أو مقعد.الدهشة طبقت قانون الكتل لـ نيوتن ( الشخص الذي لم يأكل التفاحة من فرط الدهشة ) على مقعدته الصغيرة, التي بدورها كبرت من كثرة جلوسه وقوة مجالها المغناطيسي. اندهش أنّ عرضًا واحدًا لم يأته وهو قابعٌ في بيته, لا أحد يعرفه بعد تخرجه. بعد شهرين لزجين .. خرج, اندهش من أعداد الخلق, سيول الخلق, فرع سيول مكة وجدة والرياض معًا والنفق الذي غرق بالدمام, طوفان تسونامي وطوفان سيدنا نوحٍ العظيم من المتطلبات والملفات الخضراء والخلق وكروت الفيتمينات ( أصبح فيتامين واو غير نافعٍ وحده ) وكلهم يقبل أي شيء, هو توقع وظيفةً واندهش أنه يحارب من أجلِ أي شيء. أدهشته البيروقراطية ( الخبيثة ما زالت تفعل ! ) والملف الأخضر .. حقيقةً سوف أنقم عليك إن لم تندهش.
طال به الدهر, لكم أن تتخيلوا كم عدد الثواني في الدهر, ثواني الإنتظار تزن حيواتٍ مليئةٍ بالثواني, الدهشة تسكن كل ثانيةٍ فيها, حتى وهنت البيروقراطية ( الحمد لله ) وورأفت به ومنت عليه بوظيفة تدهشك آفاقها الغير واسعة, أو آفاقها الا آفاق فيها. عاش مندهشًا عند تلقيه للخبر؛ كـ صفعة تفيقك من الواقع وترجعك مندهشًا.

أمه أدهشته عندما أخبرته بموضوع ( اكمال نصف الدين ) .. يا ساتر ! .. مالفكرة هنا ؟ ولماذا الآن يعرف ؟ ولماذا عميَ تلك الفترة وظل مندهشًا طول حياته ؟ وهذه الحقيقة ملازمة لسيرة الإنسان في الحياة, ورغم أنه إنسان ( يعتمد على تعريفنا للإنسان .. عمومًا نتفق في الفكرة ) لم يعرف عن ذلك الموضوع شيئًا .. اندهش حقًا كونها حقيقةً مجتمعيةً, وكل الناس يعلمون بذلك, وهو ظل طول تلك السنين مندهشًا من مظهر الحقيقة ولم يخبر المَخبر, الكل يعلمون أن هذا النصف يكتمل بهذه الطريقة, ويدٌ واحدة لا تصفق ( جلس يصفق فترةً منشرح الصدر لاكتشافه لهذه المعلومة, لم يفكر أن يدًا لا تصفق وحدها. وأظن أنني لا أحتاج شرحًا أكثر ) , وصدّق صاحبنا الحقيقةَ تامةً تامة. يرجع إلى حياته السابقة, تخالطه الدهشة.
المراسم حقًا مدهشة للتقدم لنصف الدين؛ رفضوه لأن راتبه لا تتبعه كلمة : كم ؟!! ( كـ ردة فعلٍ مندهشة ) وشكله لا تلحقها ضربات البيانو في مخيلة نصف الدين, واسمه لا يربط نصف الدين بالدهشة التي ستلف صديقاتها إن تقدم لها اسم مدهش آخر.. كل ما أفاض دهشته تلك الأيام أنهم يسألونه ما يملك في حسابه البنكي .. سيحتاجون بالتبرع له بالقليل من الدهشة لـ يشرح لهم أن فكرة الحساب البنكي تحتاج إلى ما يوضع في الحساب البنكي, كـ خزانة ملابس من غير ( أظنها وصلت ).

اندهش ! زغاريد والأمور تمشي على قدم وساق بعد أن فتح حسابًا بنكيًا وتسلف وترقى وخبر البيروقراطية أو خبرته البيروقراطية, ودهشته أصبحت فجأة سعدًا عليه وعلى أهله. تزوج فتاةً وصفوها كـ حكايا السندباد مليئةً بالفنتازيا. لكنه بعد ليلة الزفاف ازدادت دشهته. أوصله ذهوله إلى سلم مجد النشوة الإندهاشية من معرفةِ أن حكايا السندباد مجرد حكايا .. وأن الفنتازيا ليست حقيقة أصلاً, وأن الفتاة التي وصفوها قد وصفوا غيرها, وأنه وبشكل مدهشٍ هزلي عالق بين براثن عدم دهشتها.
رحلة الدهشة مع نصفه : استمرت متزايدةً كلما تغير شيءٌ من شخصيتها, أو توضح مكنون من كنهها .. وقد استغرب انه بالنسبة لها محفظة وليس يدًا تصفق .. فكر للحظات في الطريقة التي يجعل بها المحفظة تصفق!

وأخيرًا, وفي ذروة الوصول, فكر صديقنا باندهاش, واتخذ قرارًا مدهشًا بحق؛ أن يبدأ من أول السطر بعد أن خلعته ( السنيورة ) لنفس مشكلة المحفظة التي قد تصفق أو قد لا تصفق. كان يريد أن يتحرك واثقًا فاهمًا متقبلاً لكل دهشةٍ في الحياة, متفهمًا لروح الطفل في روحه. أراد حياة بالقليل من الدهشة.

صرح المسكين بذلك . اندهش الكل : أمه, أصدقاءه, زملاء العمل, الجيران, أصدقاء الفيس بوك ( ما زال مندشًا من عظمته ) , أصدقاء أصدقاء الفيس بوك ( أضافوه ) , حتى أن زوجته عرضت عليه الرجوع إليه لتوقفه عند هذ الحد .. عن الفعل المجنون المقدم عليه.

كل ما أراده هو البدء من أول السطر مع القليل من الدهشة.