الثلاثاء، 12 يونيو 2012

الفن والإنسان والنهضة

أتذكرعندما وقع بيدي تلخيصٌ لمحاضرة الدكتور جاسم السلطان في مؤتمر النهضة الأول بالبحرين
؛ حيث أشار الدكتور الى ثلاثة نقاط وجب علينا التصدي لها وفتح ملفاتها :

- الصناعات الثقيلة؛ الإشكاليات الفكرية
- الصناعات المتوسطة؛ مشكلة الفن والأدب
- الصناعات الخفيفة أو الصغيرة؛ المشاريع الخيرية والاعمال التطوعية مثلاً

وشبّه عملية تجسيد الأفكار وتجسيرها بالكمبيوتر الذي يرسل أوامر الطباعة إلى الطابعة عبر سلك USB؛ حيث يمثل المفكرون ( الكمبيوتر ) الذي يتصدى للإشكاليات الفكرية والفلسفية، بتحليلها ودراستها ومحاولة إيجاد الحلول لها ( تولد فكرة ) لرؤية نتائجها مطبقةً على عموم الناس المنشغلين بقضاياهم اليومية والمؤثرين في واقعهم ( الطابعة ). وحتى تصل أفكارهم كان لابد للمفكرين من أناس استطاعوا فهم أفكارهم وإعادة صياغتها وطرحها بلغة عموم الناس؛ الأدباء والفنانون ( أداة التوصيل ).

تساءلت بعد قراءتي لهذه الورقات عن أهمية ملف الفن والأدب في مشروع النهضة بشكل حقيقي. أستطيع بعد الكثير من النقاشات مع المهتمين في قضايا النهضة والقليل من القراءات حول قضايا الفن ونقاش يتيم أرجوا أن يتكرر مع الدكتور حول القضية أن أوضح الأهمية في قضيتين :
1-قضية توصيل الأفكار كما ذكر الدكتور جاسم السلطان،
وقضية 2-إنسان النهضة.

وربما كان فتح ملف الفن أمرًا في نظر البعض ثانويًا ولا يعادل أهميةَ الملفات الكبرى كما يظنون؛ الإصلاح السياسي، مشكلات الهوية العالقة، أو حتى قضايا التربية والإدارة مثلاً. كل هذا قد يرونه أهمَ من فتح ملف الفن آو التربية الجمالية، وهو برأيي ملفٌ يعادل أهميةَ الملفات السابقة في أولوية الطرح في مشروع النهضة، لأهمية الإنسان في مشروع النهضة, ولما يملكه الفن من خصائص تكفل التأثير ووصول الأفكار.

1.قصة قديمة جدًا .. و2.القصة الجديدة:.


1.إن قضية التأثير نفسها تكتسب قوتها من نزوع الإنسان أصلاً إلى تذوق الجمال، وفهم رموزه، وبحثه عن ذاته في العمل الفني، فهو يرى نفسه في كل شيء جميل في هذا الكون، ويرى في الأشياء دلالاتٍ أعمق من وجودها الأساسي قد لا تكون أصلاً صحيحة لكنه ولأنه رأى فيها ذلك أحبها.
وقد نكتفي باتجاه الإنسان البدائي إلى التعبير عن أحداثه اليومية - وهي أهم بالنسبة إليه من يوميات أي مخلوقٍ - بالرسم. واختياره للطوطم, أوالرمز الأسطوري لحيوان أو  جزء من جسم الإنسان ليكون رمزًا وحاميًا للقبيلة, وليحمل معنىً مميزًا قد لا يمثله ذلك الرمز؛ وليصيغ الحكايات حوله ويقيم الإحتفالات لتمجيده، ليعيش حول فكرة اخترعها وعاشها فنيًا. وذلك ساعده على الحفاظ على وهج هذه الفكرة بتمجيدها وإضافة المعنى دومًا لها، وطرَح الأسئلة حولها عن طريق ممارسة طقوسية هي فنية بذاتها.

إن نزوع الإنسان إلي الفن أو الممارسة الفنية كان عند نزوعه إلي التدين، كان عند أول مرة آمن فيها. مايفعله الفن هو إضافة العمق إلى تجربتنا الحياتية، إنها ببساطة عملية إيمان عملية تطرح الأسئلة فعلاً عند كل مرة يُنْتِجَ فيها الأنسانُ عملاً فنيًا.

قصة المسرح

ببساطة كانت المسرحيات في أثينا وعند الفراعنة قبلهم وفي الكنيسة بعد ذلك عمليةً طقوسية يمجدون فيها الآلهة ويحكون فيها قصص الغيب؛ القصص التي تعني شيئًا عندهم .. على المذبح الذي يضحون عليه قرابينهم ليتقربوا به إلى آلهتهم. نشأت الفنون الأولى في أحضان المعابد داخل الحضارات، وخلف ستر الإيمانات الإنسانية والدينية في الغالب خارجها. وقد يكون ذلك هو السبب الأقوى لسهولة التأثير على الإنسان بالفن؛ لأن الفن وببساطة جزءٌ من طبيعة الإنسان.

2.والسبب الثاني يكمن في قدرة الفن الفائقة على تبسيط الأمور دون الإخلال بجوهر تلك الفكرة. مثلاً؛ يستطيع الروائي بتجلٍ باهر أن يسطر ملحمةً تتحدث فقط عن مفهوم اطلاق ممكنات الإنسان ( وهو مفهومٌ واحد ) ومناقشته من جميع جوانبه، بشكلٍ يوصل الفكرة بشكلٍ أسرع وأعمق - في نفوذه إلى ذات المتلقي - من الكتابة الجافة التي أبدعت الفكرة، أو بشكلٍ متصورٍ أكثر. بل قد يستطيع العمل التشغيب وطرح الأسئلة حول مفهوم آخر؛ مفهوم الحق والحقيقة في قصيدة مثلاً ..

أظن أن حاجة المشروع إلى فتح ملفات الفن، أو على الأقل اعتبار الفن وقضاياه النظرية والعملية من القضايا المهمة فيه؛ يكمن في حاجة المشروع إلى التأثير العميق بتجسيد أفكار في الأنفس، وبنهضتها بإنسانٍ كانت ثقافته وحريته ونزوعه إلى الجمال والتعبير به أساسًا لتشكيل هويته وتحقيق إنسانيته