جامعات سعودية تقدم مبالغ مالية مقابل الإحترام
·
By : Yudhijit Bhattacharjee
جامعتان
سعوديتان تكافح لكسب إنتماء العلماء الأجانب متطلعةً إلى الظهور في المجلات
البحثية.
استقبل ( روبرت كيرشنار ) بريد احتيال
إلكتروني من أحد فلكيّي جامعة الملك عبد العزيز بجدة, حيث عُرِضَ عليه عقد أستاذ
مساعد بمبلغ سبعين ألفًا سنويًا. وكان من المتوقع من عالم الفزياء الفلكية بجامعة
هارفرد الإشراف على مجموعةٍ بحثيةٍ في جامعة الملك عبد العزيز, وأن يقضي أسبوعًا
أو أسبوعين سنويًا في حرم الجامعة, ولكن صاحب الرسالة ذكر أن هذا الشرط مرن يقبل
التفاوض. وكل ما كان مطلوبًا من ( روبرت كيرشينار ) هو إضافة اسم الجامعة
كإحدى الجامعات التي تنتمي له في قائمة معهد المعلومات العلمية (ISI ) للباحثين المشهود
لهم.
يقول ( كيرشنار ) مازحًا : " ظننتها مزحة. فهذه
الأموال تبدو مغريةً أكثر من الزيادة السنوية التي يحصل عليها الأساتذة عادةً
بنسبة 2% " ويكمل قائلاً : " ولكنني بعد أن وجهت الرسالة إلى رئيس القسم
اكتشفت أن أحد الزملاء المشهورين في جامعة أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية قد
قبل العرض من جامعة الملك عبد العزيز, وأضافها كمنتمٍ ثانٍ في
قائمة معهد المعلومات العلمية.
ولم يكن ذلك الأستاذ المشهور وحده. حيث علمت ( الـ ساينس
) أن أكثر من 60 باحثًا متميزًا – كلهم في نفس قائمة (ISI) – من تخصصات متعددة قد وقعوا على أن يعملوا
بدوامٍ جزئيٍ مع الجامعة بعرضٍ مقدمٍ على غرار العرض المقدم لـ ( روبيرت
كيرشنار ). وفي الوقت نفسه كانت مؤسسة سعودية أبرزَ من جامعة الملك عبد العزيز
– هي جامعة الملك سعود – قد صعدت مئات الدرجات في الترتيب العالمي بشكل بادٍ وواسع
في السنوات الأربع الأخيرة من خلال مبادرات تستهدف ربط اسم جامعة الملك سعود
بالمنشورات البحثية؛ بغض النظر عما إن كان هذا العمل يحتوي أيَّ مغزًا من تعاون
باحثي جامعة الملك سعود.
وقد حذر بحاثون من داخل وخارج السعودية من أن ممارسات كهذه قد
تنتقص من الجهود الحقيقية التي تبذلها الجامعات السعودية للتحول إلى مراكز بحثيةٍ
عالمية. فعلى سبيل المثال كانت الحكومة السعودية قد أنفقت ملايين الدولارات لتبني
جامعةَ الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول؛ حيث امتازت الجامعةُ بمجموعةٍ ضخمة
من أحدث المعامل والعشرات من الباحثين البارزين الذين يعملون كباحثينَ وأعضاء هيئة
تدريسٍ متفرغين.
ولكن المبادرات النابعة من جامعتي الملك سعود والملك عبد العزيز
قد اختارات الحصول على نتائج أسرع. يقول محمد القنيبيط : " هم يشترون
الأسماء, ببساطة ! ". حيث كان أستاذ الإقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعودٍ قد
انتقد مؤخرًا البرنامج مؤخرًا في احدى الصحف الرائدة- جريدة الحياة. ويقول ( تيدي فيشمان ) مدبر مركز
النزاهة الأكاديمية بجامعة كليمسون في ولاية كارولينا الشمالية أن البرنامج بتقصد
قد سعى إلى إعطاء " انطباعٍ خاطئٍ أن هذه الجامعات قد قدمت بحوثًا رفيعة
المستوى ".
وقد كان الأكاديميون
الذين قبلوا عرض جامعة الملك عبد العزيز يمثلون شريحة واسعةً متنوعةً من
أعضاء هيئة التدريس في صفوة المؤسسات في الولايات المتحدة, وكندا, وأوروبا, وآسيا,
وأستراليا, كلهم من الرجال. وكان بعضهم من المتقاعدين الحاصلين على الأستاذية
الفخرية. وكل هؤولاء قد غيروا انتماءاتهم في (ISI ) كما طلب منهم في
العقد, بل أنّ بعضهم قد أضاف جامعة الملك عبد العزيز كمنتمٍ لأوراقه البحثية. وقد
ذكرت مجموعة من الطلبات في بعض بنود العقد أنه يجب عليك تكريس " وقتك كله,
واهتمامك, ومهاراتك وقدراتك في أداء المهام المناطة بك " وأيضًا تطلّب "
العمل بما يعادل مجموعه أربعةَ أشهر خلال فترة العقد ".
ويضيف أحد الموقعين ( نيل روبرتسون ) أستاذ الرياضيات
الفخري بجامعة ولاية أوهايو؛ أنه ليس لديه مخاوف بشأن ذاك العرض ويقول: "
إنها الرأسمالية! هم لديهم المال ويريدون أن يبنوا وينتجوا شيئًا منه ". ويشير الفلكي في جامعة كامبردج في
المملكة المتحدة (جيري غيلمور ) وأحد المنتسبين إلى
جامعة الملك عبد العزيز إلى أن " الجامعات تشتري سمعة الناس طوال الوقت. ومبدئيًا
هذا لا يختلف عن هارفرد عندما تشغّل باحثًا بارزًا أو تستأجره ".
ولم يردَ المسؤولون في جامعة الملك عبد العزيز على طلبنا في
إجراء مقابلةٍ معهم. ولكن ( شندر جاين ) , أستاذ رياضيات متقاعد من جامعة
أوهايو والمستشار عند جامعة الملك عبد العزيز وأحد الأشخاص الذين ساعدوا في توظيف
عناصر جديدة قد قدم قائمةً تحتوي أسماء 61 أكاديميًا وقعوا على عقودٍ مشابهةٍ للتي
وصلت للبروفيسور ( روبرت كيرشنار ). ويضيف
أن الترتيبات المالية في العقود قد تختلف " على سبيل المثال .. بعض المنضمين يستلمون
المقابل المادي كمنحة قدمتها الجامعة للبحوث لا كراتب ".
واعترف ( جاين ) أن الهدف الأساسي – المُمَوَل
من قبل وزارة التعليم العالي – هو " تحسين مظهر وترتيب جامعة الملك عبد
العزيز " , ولكنه يقول أن الجامعة تأمل أن الأكاديميين الأجانب سيساعدونها
لبدء المشاريع البحثية الحقيقية. ويقول: " نحن لا ندفع هذه الأموال هكذا !
" , فأغلب الموظفين المنضمين يُتوَقّع منهم أن يزوروا الجامعة مدةً مجموعها
أربعةَ أسابيع في السنة " لأعطاء دوراتٍ مكثّفة ", وأيضًا أن يشرفوا على
الأطروحات الجامعية وأن يساعدوا أعضاء هيئة التدريس المتفرغين لتطوير مقترحاتهم البحثية. ويقول أن ( ظلَّ )
أحد العلماء البارزين سيكون ملهمًا للطلبة المحليين وأعضاء هيئة التدريس.
ويقول بعض المتوظفين أنه لديهم اهتمام حقيقي
لتطوير البحوث في جامعة الملك عبد العزيز, حتى لو لم يفهموا كيف ستتلاقى خُططهم
البحثية الفردية مع اهتمام وإمكانيات الجامعة وأعضاء هيئة التدريس والطلاب. ويقول
( راي كاليربيرغ ) عالم الفلك في جامعة تورونتو بكندا وأحد الذين قبلوا العرض أنه اضطُرَ للبحث عن
الجامعة في محرك جوجل بعد تلقيه للرسالة, وهو يعترف أنه كان قلقًا من أن الجامعة
قد ترغب في شراء اسمه بادئ الأمر, لكنه اقتنع أن الجامعةَ صادقةٌ في الاستفادة من
خبراته في البحث. وقد قدم ( كاليربيرغ ) اقتراحًا لتمويل تيليسكوب ينوي
بناءه في جزيرة في القطب الشمالي الكندي, وقد يكون هناك فرصةً لإشتراك أعضاء هيئة
التدريس وطلاب الجامعة في المشروع إن تم قبول الإقتراح.
ويقول ( روبيرتسون ) : " نعم,
المظاهر مهمة لهم. ومع ذلك هم بصدد بدء برنامج دكتوراه في الرياضيات ". وهو
يأمل أن تتدخل السلطات الخارجية لتسرع عملية الإصلاحات الإجتماعية في مملكة النفط
الغنية. ويقول : " أظنها نسمةُ هواْءٍ نقي في هذا المجتمع المغلق ".
ويقول ( جاين ) أن جامعة الملك عبد
العزيز قد تلقت الإشارة من جامعة الملك سعود عندما زادت درجتها العالمية بعدما شنت
حملةً واسعةً قبل ثلاث سنوات. وكان ذلك بفضل عبد الله العثمان الذي تحصّل على
الدكتوراه في علوم التغذية من جامعة أريزونا عام 1992 وعمل كوكيل وزارة في وزارة
التعليم العالي قبل أن يعين مديرًا لجامعة الملك سعود عام 2008.
حيث تولى العثمان منصبه في وقت كانت
الجامعة تنتقد من قبل وسائل الإعلام السعودية لمستوياتها المتدنية في الترتيبات
العالمية. إذا احتلت جامعة الملك سعود في 2006 المرتبة 2910 بين 3000 جامعة في
تقييم (Webometrics ) , واحتلت جامعة الملك عبد العزيز المرتبة 2785, وجامعة الملك
فهد – احدى المؤسسات الرائدة – المرتبة 1681. ولم تستطيع أي جامعة أن تصنف من أفضل
500 جامعة في قائمة شانجهاي عام 2008.
وقد قام العثمان بإضافة برنامجين لتحسين وضع الجامعة
وهما؛ برنامج الزمالة العلمية (DSFP) الذي يذكر موقعه أن من أهدافه " زيادة عدد الباحثين
المتميزين الذين ينتمون لجامعة الملك سعود " و " بدأ أنشطة بحثية مشتركة
مع الباحثين العالمين الذين لديهم المقدرة في النشر في مجلتي "
نيتشر-البريطانية" و"الساينس-الأمريكية" "., وبرنامج الأستاذ
الزائر الذي ينص عقده – حصلت المجلة على نسخة منه – على أن الأستاذ الزائر يجب
عليه نشر خمس مقالات سنويًا في احدى مجلات (ISI) المحكمة, ويعرض
العقد مبلغًا لكل ورقة بحث منشورةٍ في مجلات (ISI) شاركت الجامعة
فيها.
وقد حصل العثمان على النتائج السريعة التي أرادها. فقد
وقعت جامعة الملك سعود مع عدد من العلماء الذين يحملون تصنيفات عاليةٍ من كل من
أوروبا وآسيا وأمريكا, والذين رفعوا تقييم الجامعة بانتماءاتهم لها إلى 1211 في
2010 بما يقارب ثلاثة أضعاف المرتبة في عام 2008. ويضيف عبد القادر الحيدري
أستاذ علم العقاقير بجامعة الملك سعود أنه كنتيجة لهذا, فقد تجاوزت جامعة الملك
سعود تقييمها من 400 إلى 300 جامعة من ناحية الترتيب إلى 300- 200 جامعة في تقييم
شنجهاي شهر سيبتمبر الماضي. وفي قائمة (Webometrics) التقييمية حصلت
جامعة الملك سعود على الترتيب 186 مودعةً ترتيبها البعيد جدًا عام 2006 ( وكانت
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قد أحرز ترتيبًا بين 400 و 300 أفضل جامعة في
ترتيب شانجهاي ).
وكنقدٍ للإستراتيجية العثمان, أشار القنيبط والحيدري
إلى تأثيرها على سجل نشر خالد الرشيد – أستاذ علم الحيوان والمسؤول عن
برنامج (DSFP), وقد بدأ خالد الرشيد كأستاذ في جامعة الملك سعود سنة
1992 بعد حصوله لدرجة الدكتوراه من جامعة ساوثمبتون في المملكة المتحدة. وخلال
الخمسة عشر سنة السابقة لم ينشر إلا ما بلغ متوسطه أربع أبحاث سنويًا, أغلبها في
مجلات شرقَ أوسطية.
وبالرغم من ذلك أصبح الرشيد خصيب الإنتاج منذ 2008, حيث
كان مشتركًا في 139 ورقة بحثية متضمنةً 49 بحثًا في عام 2010 و 36 هذا العام.
وأغلب تلك الأوراق بالتعاون مع باحثين عالمين أقروا بتلقيهم الدعم من مركز التميز
البحثي للتنوع البيلوجي في جامعة الملك سعود والذي يديره هو نفسه. وبعض تلك
الأبحاث تم التعاون فيها مع باحثين شاركوا في برنامج الزمالة العلمية المتميزة. وأحد
هذه الأوراق البحثية كان عن الكيمياء الحيوية لإحدى نبات آكلات اللحوم (Venus Flytrap- Dionaea
muscipula ), وقد نشرت الورقة في أكتوبر في مجلة (PNAS[1]) وكان الرشيد أحد
السبعة المسجلة أسماؤهم في هذا البحث, بالإضافة إلى ( إروين نايير ) من
مؤسسة ماكس بلانك للبيوفيزقيا الكيميائية في غوتينغن والحائز على جائزة نوبل
عام 1991 , وأيضًا ( رينور هيدريك ) من جامعة فورتسبيرغ في ألمانيا,
والإثنان زميلين متميزين في جامعة الملك سعود (DSFP) !
ومتحدثًا إلى الساينس أقر الرشيد الزيادة الحادة في
اسهاماته العلمية كانت بسبب الأموال المستثمرة من قبل جامعة الملك سعود, ولكنه نفى
حصلوله على أي حق تأليف بفضل دعم الجامعة المالي للأجانب. وأكد أنه ببساطة قد بذل
جهدًا كبيرًا, وذكر أنه كان يتحدث إلى المراسل من مكتبه قرب منتصف الليل حسب
التوقيت في السعودية. " ومازال الوقت مبكرًا " يقول . ومن وجهة نظره أن
" النتائج ليست كل شيء- حتى ولو كانت 70 إلى 80 ورقة سنويًا عددًا غير عادي. لقد
زرت الكثير من المؤتمرات على مدى السنوات الماضية, ولقد تعاونت مع الكثيرين, وأنا
محظوظٌ جدًا لمقدرتي جذبَ الآخرين للعمل معي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق